فى سكون الليل

في هدأة الليل: حيث الدفء، وسكن النوم، ولذة الراحة - ثمة عين يقظة عن آخرها، دموعها المشفقة تتضرع إلى الله أن يحرمها على النار.

وسط الصمت الليلي المطبق: وحيث لا يبدد السكون غير أنفاس النائمين الرتيبة، ثم جنب تجافى عن مضجعه، واستعذب برودة ماء الوضوء، ولم يؤثر عليها الفراش الدافئ، بل وجد الدفء كله في معية ربه، وفي خلوته التي يأنس فيها بكتاب الله وركعات الليل المشهودة.

وبينما الأجساد مندثرة بأغطيتها: سابحة في موتتها الصغرى - ثمة جسد نفض الغطاء عنه، واستيقظ من الموتة، فارتقى في معراج الصلاة، ووجد فيها ماهو أروع من لذة النوم، ورجا أن يبعثه الله بها مقامًا محمودًا.

في سبات الليل: وحيث القلوب النائمة تنبض بقدرة الله وحده، ثمة قلب أبى أن يكون النبض فقط هو كل ما يربطه بالحياة، وأصر على أن يخفق حبًا وخشية ورجاء وأن تتحول نبضاته إلى دعاء حار، وتوبة واستغفار.

في البيوت الساكنة: وحيث المصاحف مغلقة، وسجاجيد الصلاة مطوية، ثمة يد فتحت المصحف، وفرشت السجادة ليعيش صاحبها لحظات نورانية تضيق عنها ساعات النهار الصاخبة، لحظات لا يطلع عليه فيها إلا خالقه، فلا يفسدها الرياء، ولا يحبط أجرها القليل من حظ النفس.

في لباس النوم: وحيث الآذان صم مستسلمة لإغراء الفراش، ثمة أذن أدركها النداء فسمعت، وأطاعت «قم الليل إلا قليلاً»، فرضيت بقليل النوم، وقامت احتسابًا لمن أمر، ورهبة منه، ورجاءً فيه، وتوبة إليه.

في الليل: منح لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، وشرف لا يدركه إلا من سعى إليه، وسويعات مباركة لا يحظى ببركتها من يؤثر عليها النوم والراحة.

في الليل وقبيل انشقاق فجر يوم جديد، إله كريم يتنزل في السماء الدنيا، يحثنا على التوبة والاستغفار، ويعدنا بالاستجابة والقبول، يفعل ذلك كل ليلة حتى يستيقظ الغافل، ويهرول إلى ذلك العطاء السخي.

إنه الليل: الظلمة التي تستحيل في قلب المؤمن نورًا، والراحة التي يراها هذا المؤمن، قمة التعب والعناء، فلا يستسلم لإغرائها، والصمت الذي يغدو في هدأة ركن الصلاة تلاوة للقرآن، ودعاء وتضرعًا وإلحاحًا على الله، والأمن الذي يأبى القائم إلا أنه يجده في الخوف من الله، والستر الذي لا تستشعره الجنوب المتجافية عن المضاجع في غير معية الله.

في هدأة الليل: لتكن هذه العين عينك، وذلك الجنب جنبك، وهذا الجسد جسدك، ، وذلك القلب قلبك، وتلك اليد يدك، وهذه الأذن أذنك، وتلك السويعات المباركة ثروتك الباقية.

شكرا جداااااااااا

بجد مواضيعك شيقة وممتعة